عن أبي حمزة الثمالي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال :
كان علي بن الحسين سيد العابدين - صلوات الله عليه - يصلي عامة ليلة في شهر رمضان ،
فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء :
" إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ، ولا تمكر بي في حيلتك ، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ، ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك ، لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ، ولا الذي أساء واجترء عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك ، يا رب يا رب - حتى ينقطع النفس - بك عرفتك وأنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت .
الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئا حين يدعوني ، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلا حين يستقرضني ، والحمد لله الذي اناديه لكما شئت لحاجتي ، وأخلو به حيث شئت لسري ، بغير شفيع فيقضي لي حاجتي . والحمد لله الذي ادعوه ولا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي ، والحمد لله الذي ارجوه ولا أرجو غيره ولو رجوت غيره لأخلف رجائي ، والحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ولم يكلني إلى الناس فيهينوني والحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني ، والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي ، فربي أحمد شئ عندي ، وأحق بحمدي .
اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة ، ومناهل الرجاء إليك مترعة ، والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة ، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة . وأعلم أنك للراجين بموضع إجابة ، وللملهوفين بمرصد إغاثة ، وأن في اللهف إلى جودك والرضا بقضائك عوضا من منع الباخلين ، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين ، وإن الراحل إليك قريب المسافة ، وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا ان تحجبهم الأعمال السيئة دونك .
وقد قصدت إليك بطلبتي ، وتوجهت إليك بحاجتي ، وجعلت بك استغاثتي ، وبدعائك توسلي ، من غير استحقاق لاستماعك مني ، ولا استيجاب لعفوك عني ، بل لثقتي بكرمك ، وسكوني إلى صدق وعدك ، ولجائي إلى الايمان بتوحيدك ، ويقيني بمعرفتك مني : أن لا رب لي غيرك ، ولا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك . اللهم أنت القائل وقولك حق ووعدك صدق : ( واسألوا الله من فضله إن الله كان بكم رحيما ) ، وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية ، وأنت المنان بالعطايا على أهل مملكتك ، والعائد عليهم بتحنن رأفتك .
إلهي ربيتني في نعمك وإحسانك صغيرا ، ونوهت باسمي كبيرا ، يا من رباني في الدنيا باحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه ، معرفتي يا مولاي دليلي عليك ، وحبي لك شفيعي إليك ، وأنا واثق من دليلي بدلالتك ، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك . أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه ، رب أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه ، أدعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا ، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت ، وإذا رأيت كرمك طمعت ، فان عفوت فخير راحم ، وإن عذبت فغير ظالم .
حجتي يا الله في جرأتي على مسألتك مع إتياني ما تكره جودك وكرمك ، وعدتي في شدتي مع قلة حيائي منك رأفتك ورحمتك ، وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي ، فصل على محمد وآل محمد ، وحقق رجائي ، واسمع ندائي ، يا خير من دعاه داع ، وأفضل من رجاه راج . عظم يا سيدي أملي ، وساء عملي ، فأعطني من عفوك بمقدار أملي ، ولا تؤاخذني بسوء عملي ، فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين ، وحملك يكبر عن مكافات المقصرين ، وأنا يا سيدي عائذ بفضلك ، هارب منك إليك ، متنجز ما وعدت من الصفح عمن أحسن بك ظنا .
وما أنا يا رب وما خطري ؟ هبني بفضلك ، وتصدق علي بعفوك ، أي رب جللني بسترك ، واعف عن توبيخي بكرم وجهك ، فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته ، لا لأنك أهون الناظرين إلي ، وأخف المطلعين علي ، بل لأنك يا رب خير الساترين ، وأحلم الأحلمين ، وأكرم الأكرمين ، ساتر العيوب ، غفار الذنوب ، علام الغيوب ، تستر الذنب بكرمك ، وتؤخر العقوبة بحلمك . فلك الحمد على حلمك بعد علمك ، على عفوك بعد قدرتك ، ويحملني ويجرئني على معصيتك حلمك عني ، ويدعوني إلى قلة الحياء سترك علي ، ويسرعني إلى التوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك ، وعظيم عفوك .
يا حليم يا كريم ، يا حي يا قيوم ، يا غافر الذنب ، يا قابل التوب ، يا عظيم المن ، يا قديم الإحسان أين سترك الجميل أين عفوك الجليل أين فرجك القريب ، أين غياثك السريع ، أين رحمتك الواسعة ، أين عطاياك الفاضلة ، أين مواهبك الهنيئة ، أين كرمك يا كريم ؟ به وبمحمد وآل محمد فاستنقذني ، وبرحمتك فخلصني .
يا محسن يا مجمل يا منعم يا مفضل ! لسنا نتكل في النجاة من عقابك عن أعمالنا ، بل بفضلك علينا ، لأنك أهل التقوى وأهل المغفرة ، تبتدئ بالاحسان نعما ، وتعفو عن الذنب كرما ، فما ندري ما نشكر ؟ أجميل ما تنشر ، أم قبيح ما تستر ، أم عظيم ما أبليت وأوليت ، أم كثير ما منه نجيت وعافيت ؟
يا حبيب من تحبب من تحبب إليه ، ويا قرة عين من لاذ بك وانقطع إليه ، أنت المحسن ونحن المسيئون ، فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك ، واي جهل يا رب لا يسعه جودك ؟ وأي زمان أطول من أناتك ، وما قدر أعمالنا في جنب نعمك ؟ وكيف نستكثر أعمالا يقابل بها كرمك ، بل كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك ؟ يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، فوعزتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت من بابك ، ولا كففت عن تملقك ، لما انتهى إلي يا سيدي من المعرفة بجودك وكرمك ، وأنت الفاعل لما تشاء ، تعذب من تشاء بما تشاء كيف تشاء ، وترحم من تشاء بما تشاء كيف تشاء . لا تسأل عن فعلك ، ولا تنازع في ملكك ، ولا تشارك في أمرك ، ولا تضاد في حكمك ، ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك ، لك الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .
يا رب هذا مقام من لاذ بك ، واستجار بكرمك ، وألف إحسانك ونعمك ، وأنت الجواد الذي لا يضيق عفوك ، ولا ينقص فضلك ، ولا تقل رحمتك ، وقد توثقنا منك بالصفح القديم ، والفضل العظيم ، والرحمة الواسعة .
أفتراك يا رب تخلف ظنوننا ؟ أو تخيب آمالنا ؟ كلا يا كريم ! ليس هذا ظننا بك ، ولا هذا طمعنا فيك ، يا رب إن لنا فيك أملا طويلا كثيرا ، إن لنا فيك رجاء عظيما ، عصيناك ونحن نرجو أن تستر علينا ، ودعوناك ونحن نرجو أن تستجيب لنا ، فحقق رجاءنا يا مولانا . فقد علمنا ما نستوجب بأعمالنا ولكن علمك فينا وعلمنا بأنك لا تصرفنا عنك حثنا على الرغبة إليك ، وإن كنا غير مستوجبين لرحمتك ، فأنت أهل أن تجود علينا وعلى المذنبين بفضل سعتك ، فامنن علينا بما أنت أهله ، وجد علينا [ بفضل إحسانك ] ، فانا محتاجون إلى نيلك .